في الندوة الأولى للمنتدى العربي لقصيدة النثر
خضير ميري في ديوانه بطل ملحمي يرصد سيرة الجنون وتغير العالم

عقد المنتدى العربي لقصيدة النثر في نقابة الصحفيين أولى ندواته مساء السبت 11 يوليو الجاري ، وشهدت الجلسة كلمة الافتتاح التي ألقاها مدير المنتدى الشاعر صبحي موسى ، وفيها وجه الشكر لرجلين ذهب أن لولاهما ما جاء الملتقى الأول لقصيدة النثر على الهيئة القوية التي ظهر بها ، وهما الكاتب الصحفي الشاعر أسامة الغزولي ، ورئيس اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين الكاتب الصحفي علاء ثابت ، فقد وقف الأول حسب قوله بكل ما يملك من علقات وخبرات ثقافية من أجل تذليل العقبات في وجه اللجنة التحضيرية ، فهو الذي عرف اللجنة بالرجل الثاني الذي وجه له موسى الشكر وهو علاء ثابت ، وقد واجه الأخير كافة الضغوط التي مورست عليه من أجل إلغاء إقامة المؤتمر في النقابة ، وراهن على قدرة مجموعة من المثقفين ، لا يملكون غير شعرهم وحقهم في طرح نصهم على الجميع ، على إقامة مؤتمر قوى وهام في نفس توقيت مؤتمر الدولة ، وهو الذي طالب بألا تتوقف فكرة أصحاب النص النثري عند حدود عقد مؤتمر سنوى ، ومن ثم فقد طرح عليه موسى فكرة المنتدى التي رحب بها ثابت وفتح له ولكل محبي وكاتبي قصيدة النثر أبواب نقابة الصحفيين .

وأعلن موسى في كلمته عن عزمه من خلال المنتدى إصدار مجلة باسم قصيدة النثر ، بالإضافة إلى عمل مختارات شعرية بشكل دوري سنوياً لرصد المشهد الشعري العربي الخاص بقصيدة النثر ، وأنه يسعى مع بعض رفاقة لترجمة هذه المختارات ، ووضعها بشكل مبدأي على صفحة إلكترونية تحمل عنوان " موقع قصيدة النثر العربية " ، وأنه ثمة مجهودات تبذل الآن للبحث عن ناشر أجنبي كي يقوم بإصدار هذه المختارات ورقياً في الغرب .

وقد شهدت الجلسة مناقشة ديوان الشاعر العراقي خضير ميري " سارق الحدائق " الصار عن دار الناشر بالقاهرة ، شارك في المناقشة الناقد الكبير د. عبد المنعم تليمة الذي تناول الديوان من خلال ثلاثة جوانب ، أولها السيرة الذاتية ، إذ رأى أن الديوان عبارة عن سيرة ذاتية للشاعر خلال المرحلة التي قضاها في مصحة الأمراض العقلية في العراق ، وأن رصد اللحظات التي مرت عليه بشاعرية فاتنة ، تجمع ما بين التفاصيل أحياناً والتجريد أحياناً أخرى ، وثانيها هي الرؤية الملحمية في الديوان .

وقال تليمة أن الثقافة المصرية والعربية عرفت الأداء الملحمي بنوعية سواءً المؤسسي أو الفردي ، فالمؤسسي قاده طه حسين في إنشائه للجامعات المصرية ، وتذليله العقبات كي يكون التعليم كالماء والهواء ، والثاني طرحه نجيب محفوظ في أعماله خاصة في شخصية عرفة في أولاد حارتنا ، لكن هذا الشكل انتهى بموت عرفة بعدما استغلقت الدنيا ، وفي حال نجاح البطل الملحمي الفرد فإن نجاهة لا يغير الكثير ، وربط تليمة بين ما طرحه عن الفكرتين وبين الرؤية الملحمية في ديوان ميري ، قائلاً أنه بجنونه السابق لقدرة المجتمع على الفهم لن يؤدي إلى الكثير ، وإذ نجح فإن نجاحه الراغب في تغيير العالم من حوله لن يزيد عن كونه نجاح فردي لا أكثر ، أما الطرح الثالث لتليمة فقد جاء تحت عنوان الفن ، وفيه أكد أن ديوان ميري ينتمي بامتياز لمفهوم قصيدة النثر التي ثارت على العروض والقافية والشكل من أجل الخلوص إلى الحالة الشعرية ، وأن الديوان بما احتوى عليه من تجربة حقيقية مليئ بالشاعرية الخالصة ، وهي شاعرية منسابة لا يمكن أن تحتويها أو تساعد على وصولها كما هي غير نص فضفاض كقصيدة النثر ، واعترض تليمة على ما كتبه ميري على غلاف الكتاب " نصوص نثرية " ، ونصحه بأن بأن يكتفي في الطبعة القادمة للديوان بكلمة " نصوص " فقط على الغلاف .



وقدم الكاتب العراقي حسن متعب شهادة عن خضير ميري الذي تعرف عليه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ككاتب وباحث ومتفلسف ، لكن أحداً لم يكن يفهم نصوصه ، ربما لأنه غلفها بكثير من التجريد كي لا يعاقب عليها ، لكنه عوقب ، ولم يكن أمامه غير ادعاء الجنون لينجو من الموت ، وفي النهاية وبعد كل هذه السنوات أصبحت نصوصه هي الحقيقة الأولى ، واكتشف الجميع كم كان لها مذاق جميل وهام ، لكن قدرته على التجريد ، وعدم انفتاح المجتمع ، وسابقيتها للكتابة العراقية في ذلك الوقت هي التي جعلتهم جميعاً عاجزون عن فهما في وقتها .

أما الشاعر العراقي أمجد سعيد فقد تحدث عن رواية " ايام الجنون والعسل " لميري ، والتي صدرت منذ عامين عن دار مدبولي للنشر ، والتي رصد فيها الوقائع الحية لتجربة الإقامة في مصحة الشمعية للأمراض العقلية ، وأوضح كيف كانت رواية هامة وبارزة في مشوار ميري ، الذي أكد في نهاية الندوة أن كل مارصده كان واقعياً ، لكنه كان واقعاً أغرب من الخيال ، كأن تعيش طيلة الوقت مع شخص على أنه مهندس ، وتكتشف بعد خروجك من المصحة أن أخته تخبرك بأنه عامل بناء لكنه مصاب بنوع من الفصام .

وهكذا جاءت الندوة الأولى التي تغيب عنها صلاح السروي وأيمن تعيلب وكثير من أبناء قصيدة النثر ، كنوع من الإحتفاء حسبما قال د. تليمة بميلاد شاعر ، وليس بمناقشة ديوان